POETRY

placeholder image

صورة العشاء الأخير


تأليف : علي رشيد

 

الشخصيات

الراوي

الجندي الأول

الجندي الثاني

الأم





المشهد الأول

( يفتح الستار عن فضاء داكن بحمرة ضبابية ، وعلى الركن البعيد من المسرح ، أجساد تتلوى على الأرض بتناغم بانتوميمي ، وكأنها دمى للعرائس ، تتحرك بلولبية على الأرض . صوت رخيم ينطلق لراوٍ غير مرئي )

ياسادة ياكرام

كنا على الضيم ننام

نغفو بلا أجفان

خوفاً من الجلاد والدفان



( تختفي الأجساد لتضاء بقعة بضوء مركّز على شخصية الراوي وهو يدخل من الجهة اليمنى للمسرح بينما تبقى بقية أجزاء المسرح داكنة )

الراوي ( ينظر إلى الجمهور ملياً ، ثم يبتدئ الكلام ) : - هناك حيث البلاد مسرح آخر يضيئه النواح  ، حيث البلاد انتصار الخطيئة ، ومدافن ( يتردّد) ، قلت مدافن عفوًا ، كنت أقصد حيث البلاد مداخن ( يتردّد) ، عفوًا ثانية لم أكن أقصد مداخن
( يهمس بخفوت بعد استدارة تستطلع المكان ) ، البلاد يا إلهي ، أي بلاد هذه تنثر أشلاءها كزجاج الواجهات على قارعة البيانات ، وتستجدي حتفها لتقيم ولائم فرح للهزائم ( يرتفع صوته أشبه بالصراخ ) أي بلاد هذه .....


( فيقطع صوته صوت آخر يأتي من الجهة اليسرى للمسرح )  احذر هذا السكون ، هنالك موت يتربص بنا.

( يضاء ذلك الجزء ( الأيسر) من المسرح ليظهر شابان بملابس عسكرية وهما يترصدان المكان ، بينما يختفي الراوي حينما يلفه الظلام )

الجندي الأول : ( بشرود أشبه بمن يكلم نفسه ) هل مازال هنالك موت ، بعد كلّ هذه الأجساد المبثوثة على خارطة البلاد  ( بتأوه ) إيه ، أية خطيئة اقترفناها ، لنجازى بكل هذا الموت .

الجندي الثاني : ( وكأنه لم يسمع كلام صاحبه ) هناك خلف هذه التلال فجيعة أخرى  .
الجندي الأول : ( متسائلاً ) فجيعة أخرى ؟ .

الجندي الثاني : نعم ... ربما ستشن الحرب لتحتقن هذه السواتر بمراث جديدة .

الجندي الأول : لكن الحرب لم تنته لتبدأ  ، أم أنها مراسيم جديدة لحقن هذه السواتر بمراثي تنهش ماتبقى من الجند .

الجندي الثاني : ( صمت بشرود )

الجندي الأول : ثم أي حرب ستبدأ ، وضّد من ( يستمر ) ، ضدّنا ... ولماذا ، هم يعرفون بأننا الضحايا ... القرابين ... الموتى ... صورة العشاء الأخير .

الجندي الثاني :  ( بانتباه كمن يقبض على فكرة ) قلت العشاء ، ( بحسرة ) إيييييييييييييييييه كم أتمنى أن أرى  أمي ثانية ، وهي تجهز لي العشاء .

الجندي الأول : يمكنك أن تغمض عينيك ، وتحلم بما تتمنى .

الجندي الثاني ( صامتا )

الجندي الأول : هل أغمضت عينيك ، هل تذوقت طعام......

الجندي الثاني : ( مقاطعاً بغضب ) كفاك جنوناً ، كيف لي أن أغمض عيني ، وهنالك موت يتربص بنا .

الجندي الأول : لا عليك، سأفتح عيني على سعتها، كي أبصره ، فقط أغمض عينيك لتتذوق طعام أمك .

الجندي الثاني : أغمض عيني ... أغمض عيني ... أغمض عيني ....

( صوت الأم يأتي من وسط المسرح حيث يضاء على امرأة عجوز بملابس وغطاء رأس أسودين ، بينما تلف الظلمة بقية المسرح ليختفي الجنديان)

الأم : رحيم ، تعال ياصغيري ، أعرف أنك جائع ، سأجهز لك العشاء ، ولكن هل لك أن تقرأ سورة الفاتحة على روح والدك وأخويك .... إنه الخميس ، سينتظر الموتى أدعيتنا كي يمنحهم الرب شفاعته ...

رحيم : ( بحزن ) ليغتسلوا أولا من رائحة الدم ، وسخونة الرصاص ، أي شفاعة سيمنحها الرب لموتى دون قبور ؟

الأم : ( تتقدم نحو رحيم وبصوت متوسل ) أقرأ سورة الفاتحة ، إنه الخميس ياولدي ، سيجتمع الملائكة في ظلال السماوات ، وسترفع الشهداء نحو حدائق من نور ، ستطلقهم كفراشات متحررة من وحشة القبر .

رحيم : ( بغضب ) ولكنهم دون قبور ، أو شواهد يا أمي ، لم يبق منهم سوى الاسم المسجل في دوائر الأمن ، وسجلات الإعدام ، لم يبق منهم سوى الظلام الذي يلف جسدك الناحل ، سوى السواد الذي يتلبسك بالفجيعة ، السواد الذي أنساك عمرك ، أنساك الفرح .... والغناء ... (بصوت تشوبه المرارة )  أتذكر صوتك الجميل حين كنت طفلاً وأنت تهدهدينني كي تسكتي يقظة شغبي وتخلدينني إلى نوم جميل أتلمسه من دفء ذلك الغناء الذي مازال يتردد في أذني .....

( تنظر إلى نفسها في مرآة معلقة خلفها ، تتلمس جسدها وكأنها تكتشفه ثانية ، بينما يبقى رحيم ساهماً في مكانه وهو ينظر نحوها، ويسمع صوت الأم وهي تدندن )

الأم : ديليلول يالولد يبني ديليلول .... عدوك عليل وساكن الﭼول .... وأبوك هسه يجي محمل بخيره ... حزام أنت التنفعه .... ومايشدّ غيره

(  تتحرك نحو رحيم وتدفن رأسه بصدرها ) سأفرح وأغني سأرقص ( ثم تبدأ في الاستدارة حول نفسها بطريقة أقرب للرقص وتتابع حديثها )  سأسترجع كل الفرح الكامن في العصور ، من أجلك سأنزع عني ( تستدرك ) ... يمه هذا السواد مهابة العمر

رحيم : ( بجزع ) منذ أعوام وأنت تتزينين بهذا السواد ، هذا ماعرفته من أبي ، وأنا لم أفتح عيني على لون سواه ، وكأنه الرحم الذي سيلفنا إلى عتمته ، دون فرح ، أو حلم ، أو رغبة  تشدنا لمطرها .

الأم : ( وكأنها لم تسمعه ) علينا أن نأكل ياولدي ، فقط عليك أن تقرأ سورة الفاتحة ...

رحيم : ( مقاطعا ) على روح والدك وأخويك ... أعرف هذا ، ولكن كيف يمكن للرب أن يمنح الرحمة لموتى دون قبور .

الأم :( ساهمة )

رحيم : كيف لهم أن يبعثوا ، وهم نثار من الدم  ومزق منفوخة في برك من جحيم
( يرفع رأسه نحو السماء وكأنه يكلم الله ) يستنكف حتى الله من أن يمدّ لهم يديه ( ثم ينكفيء على نفسه راميا جسده نحو الأرض مرددا ) يستنكف حتى الله ... يستنكف حتى الله .... يستنكف الله ..... إييييييييييييييه الله

الأم : (ساهمة ... وللحظة تعي سقوطه فتركض نحوه رامية جسدها فوقه وهي غارقة بالبكاء  )

رحيم :  ( مازال ممددا تحت جسد أمه ) من يكتب رحمته على جفونهم المملوءة بالدموع ، ورائحة البارود .

الأم : ( ساهمة ، بينما يرتفع صوت المؤذن )

المؤذن: الله أكبر ... الله أكبر .... أشهد أن لا إله إلا الله ( تكرار ) ... أشهد أن محمدا رسول الله ( تكرار ) ،

رحيم  : ( ينظر إلى الجمهور ، وكأنه يكلمهم بينما يستمر صوت المؤذن بخفوت في إكمال الأذان ) وهاهي المئذنة ترسل لنا كلّ يوم أدعية الرب ، كي نعبىء لموت أشدّ خطيئة .

الأم : ( ساهمة ، بينما يلف الظلام المسرح )





المشهد الثاني


( ظلام يلف المسرح  ، فيما يعلو صوت الراوي )


ياليل ، دانه ، ودانه

رجل تخلى عن زمانه

من بعدما ، خبر الحياة بشاعة ، ومقيت لحن

وارتاب في نفس مهانه



( يسلط الضوء على بقعة في وسط المسرح ، حيث يظهر الراوي وهو يتقدم نحو مقدمة المسرح ليسترسل بالكلام بعدما أنهى إنشاد المقطع السابق وبطريقة أشبه بإداء المقام )

الراوي :   الأم نواح ، والأب وجوم  ،  أما الأبناء ...  غواية  تنحت شبهها لتستنسخ العدم ....  والخوف ( يزفر طويلاً ال آه ) آه من الخوف
الخوف ضغينة برائحة سوداء ( يكّلم  الجمهور ) نعم للخوف رائحة ، أعرف ثمة من لا يعرف الخوف ، ولم يتشمّمه ، ولكن هنالك حيث البلاد قسوة ، تتفسخ كل النهارات عن سواد له رائحة  الخراب .... الخوف خراب ... الخوف خرابنا ... الخوف خرابكم ... الخوف تيه ومعاصي تنحت الجلاد وتديم مراميه

( يضرب بكفه على قلبه مرددا ) الخوف هنا

( يمسك مؤخرة رأسه ) الخوف هنا

( يجلس على ركبتيه  ليحمل قبضة تراب ، ثم يرفع يده عاليا ، و يفتح كفه ليهيل التراب على وجهه صارخا ) الخوف هنا في هذه الأرض التي ابتلعت بنيها بشراهة سافلة .... الخوف هناك حيث السواتر تتزين بأجساد الجنود المتوارية بظلال طفولتها ، وتصدع الحلم ، الخوف هناك ( يشير نحو الجهة اليسرى من المسرح حيث يظهر مشهد الجنديين ثانية ) حيث رحيم ينتظر موته بيقين أحمق (  يغادر القاعة بخطى ثقيلة )

الجندي الأول : أشعر بالبرد ، أحس أن عظامي تتآكل ، وقلبي ينقبض ، يخنقني كوحشة هذه السواتر المفزعة .

الجندي الثاني : ( ساهما )

الجندي الأول : هيييييه، رحيم ، لا تصيبني بالجنون ، لا أريد أن أكلم نفسي في هذا الجو الخانق والمشبع بالوحشة ، قل أي شيء ، أم أنك تريد أن أتوسل إليك ( وبصوت ساخر ) سيادة الجنرال  كي تتنازل وتتكلم معي  ... ( يضع يده فوق كتف رحيم ويسأله بنبرة جادة ) هل مازلت تحلم بعشاء أمك ؟


الجندي الثاني : ( بارتعاشة كمن يفيق من نومه مفزوعا ) اللعنة لقد أفقتني من لذة الحلم ، ها قد ذهبت المخيلة إلى الجحيم ، ذهبت صورة أمي ، و البيت ، ورائحة الطعام الذي لم أتذوقه بعد

( بعصبية ) اللعنة ... اللعنة ... اللعنة ، لقد أيقظتني من حلم كم كنت أتمنى لو لم أغادره ، لقد أرجعتني لحظيرة الموت هذه ، لم كل هذا العذاب ، حتى أحلامنا لم يعد من الممكن التشبث بها من رداءة هذا الزمن المنخذل
( بعصبية ) أي زمن أحمق هذا ......

الجندي الأول ( ضاحكاً ) لكنك تشممت رائحة الطعام ، وتمليت بوجه أمك
( وبمرح ) وربما جلست إلى أريكة مريحة (  يجلس على الأرض بخفة ويمد بصره بانتباهة أمامه ) وأنت تتابع شاشة التلفاز ،  لتتابع مغنية مغناج تتراقص شبه عارية ، وأكيد دخلت بحلم داخل حلم ( وبهمس ) وقبلتها ها ها ها .

الجندي الثاني : ( بشرود ) لم تمنحني الوقت كي أقبل أمي ، أو أتشمم عباءتها ....... ( بحزن ) كل ماتمنيته ذهب سدى ، لأني نكصت لبيت موشم بالوجع ، بيت دون ألفة أو مسرّات ، دون أرائك أو تلفاز ، دون  ، دون ، دون ... سوى أم تتآكل بفجيعتها .

الجندي الأول ( بتهكم ) ولكنك أغمضت عينك .  

الجندي الثاني ( بعصبية ) وماالذي يمنعك من أن تغمض عينيك .

الجندي الأول : الخوف يارحيم ، الخوف من أن يباغتني سعير الشظايا ، ونذالة الرصاص الطائش المتوهج ، وهو يتخبط في كياني المندحر، أعرف أني سأترنح
( يتلمس الأرض بيديه ) ممسكا لحظة أخيرة من أثري ، لأسقط فوق دمي المباح للحروب ......

الجندي الثاني ( يتقدم نحو الجندي الأول بتعاطف ، ثم يضع يده فوق كتفه ) ما الفرق ياصديقي بين أن ترى موتك أو لاتراه ، ففي كلتا الحالتين سيراك هو ، سيتشبث بك ( متداركاً ) أو بي ، وربما سيمجد فحولته ( بسخرية ) بأن يصرعنا نحن الاثنين وبرصاصة واحدة .


الجندي الأول : هنالك فرق بين أن تجبر على موت لاتراه ، أوأن تجبر على موت تراه ، فحين تراه ستفضح نتانة من أولمنا لهذه السواتر ، سينكسر الموت ويغمض عينيه خجلا من براءة عيني ، وحينها سأموت فاتحا عيني على سعتها وسيندس الموت في جسدي مغمضاً عينيه من رداءة فعله ( بثقة ) سينهزم الموت ، ولهذا يعصب القتلة عيون ضحاياهم في ساحات الأعدام ليس رأفة بهم ، بل خوفا من وهج عيونهم التي ستهزم القتلة حتما لو لم تعصب .

الجندي الثاني : ( بامتعاض ) يا إلهي لم يعد لدينا إلا الحديث عن الموت

( يوجه كلامه للجندي الأول ) دعنا نتحدث عن شيء آخر غير الموت .

الجندي الأول : وأي شيء آخر تحفل بها هذه السواتر غير الموت

الجندي الثاني : حسنا لتغمض أعيننا معا ونتذكر ، دعنا نسترجع ذاكرة ماقبل الحرب

الجندي الأول : منذ ولدت كانت الحرب نزهة هذه البلاد وذاكرتها .

الجندي الثاني : ( بصراخ )  لم أعد أطيق هذة العتمة أني أختنق  ، دعنا نغادر هذه الأرض الموبوءة بالأجساد ، وهذه السماء المدغمة بالبارود ، دعنا نغادر ( ببكاء ) أرجوك دعنا نغادر ، دعنا نغادر .

الجندي الأول : ( بحزن ) لم يعد لدينا الكثير من الوقت لنغادر ، ولم نعد نملك خطا نختم بها أمكنة غير هذه السواتر ، بل لم تعد هنالك أمكنة ، فالبلاد ساتر يعج بالضحايا ، لم يعد هنالك ( فجأة يقطع كلامه صوت الأنفجارات التي تسمع في كل أرجاء المسرح ،  وهي تومض هنا وهناك ، مع أصوات تتقاطع لبيانات عسكرية واستنجادات لضحايا وبكاء أطفال مفزوعين وصراخ نسوة ، بينما يختفي الجنديان في لجة المشهد ) .

( ترسم شاشة وسط العتمة ، لتظهر صور تتلاحق لفعل الحرب ، حرائق  ، خرائب ، أجساد لضحايا ، وجوه مفزوعة ، آثار انفجارات ، عوائل هاربة من جحيم الحرب ، وأشلاء أطفال ، وكل مايمكن أن يدون من صور عن الحرب ، تظهر الأم من الجهة اليمنى من المسرح ، وهي موشحة بالسواد ، تسير بصعوبة نحو الجانب الأيسر من المسرح وهي تتلفت حولها وعيناها على الأرض كمن يبحث عن شيء ضائع  ، بينما يظهر الرواي  وهو يخطو إلى مقدمة المسرح  وتبقى الأم تدور في مساحة المسرح  )

الأم : (  وهي تداوم البحث تصرخ بحزن كظيم ) رحيم ... ولدي
أين يرقد جسدك الآن ، من سيمنح شيبتي البصيرة كي تلملم نثار طفولتك ، ( تبكي بنحيب ) رحيم يازهرة عمري ، على من سيتكيء جسدي الضامر من وجع المناحات والحروب  ( تجهش بالبكاء وهي تتهاوى إلى الأرض و تلف جسدها بعباءتها حتى تتحول إلى كتلة من السواد )

الراوي : ( يتطلع إلى الجمهور ثم ينشد )

كان صدى لصوتها المبوح

كان ضماد الروح والجروح

كان وريثها عند الله

فكيف ترث في سقم بلواه

(  ينظر مليا إلى تلك الكتلة من السواد حيث ترقد الأم ثم يبدأ بالكلام وهو يتفرس في وجوه الناس )

كيف لهذه الأرض أن تستبيح جسد رحيم ورفاقه ، وكيف لها أن تواري بهجتهم ؟ ، كيف لها أن تنحت بشراهتها قبورا تلتهم أحلامهم ؟ ، كيف لها أن تهرق دمهم

( ينحني ليرفع من الأرض يدا  ثم يرفعها إلى السماء ) ياإلهي ها أنذا أرفع يده نحوك ، أرفعها ظليمة الدم الذي رفع نحوك منذ قرون الفجيعة.  أهذا كل ماتبقى من حكمتك ؟ ،
ألم يكن رحيم حكمتك؟

( بتوجع ) رحيم   ، يا أضاحي الحروب  ، بأي المراثي سأمسح هذا الوجع السقيم
( يلتفت نحو أمه) عن كاهل هذه السبية؟ بأي المناحات سنستعيد اسماءكم المتخمة بأعباء الحروب ؟

( بشرود وبصوت خافت وكأنه يكلم نفسه )  سنسدل الستار هنا لننهي هذا الوجع الممسرح  ،  بينما تبقى الحرب هناك تمسرح البلاد والإنسان دون أمل في ستار يسدل .



( يعتم المسرح تدريجياً لتختفي الأم والراوي في العتمة ، بينما يسدل الستار ) .


2005

placeholder image

صورة العشاء الأخير


                                    شعر

دار نينوى للدراسات والنشر - دمشق


 
تفاصيل الذاكرة

زمن مضى
كان علينا ان نجتر ماهية الأشياء فيه
ان نورد أمثلة على حتمية أفعالنا
فليس من الصدفة
أن يعكف هذا المغيب ويجترح تلاوته
أو أن نعود الى شجر ما ألفناه
لنلقح أوراقنا بالخطيئة
هابطا في مكائده
هذا الذي لوى جذع المدينة
دس فراشة الفجر في عواء الكلاب
ثم ألقى علينا نبوءته ، فراسة الحرب والضمادات
وقال
سلاما تيبس ذاك الرغيف في جوعكم
ذاك الرغيف الشاحب بين يدي الجند
صلاة سيقرأ في العيون التي افتقدته لحظة احتضارها
سنرتب انكساراتنا ، رافضين الخوض في ما ألفناه
وتلك الخديعة أكثر بهجة من السرد
سنحفظ ما كتبناه في لحظة الانبهار
في اللحظة التي تلت غيبتنا
كنا مكممين بأبخرة  المذبحة
التي هتكت غضاضة أعمارنا، في مستهل الطقوس
فكيف نؤسس لشواهد لا نكتب فيها غياب القتيل؟
وهو جالس فوق قوس الرياح
يمط نبوءته
ويستفهم عمن رأى دمه في نزيف المرايا
يلوح لأشكالنا دون ألفة
هي وحدها الذاكرة تعلمت أن تخون تفاصيلها
وتسرق منا الرهان

1997








دهشة المكان

دهشة لا تراوح  عزلتها
غيبة لا تلوي خديعة المكان
والوقت خرافة
تنهش غسق الكلام
يسعل الفجر ,
هل انحنت هامة في ظلال اليقين ؟
هل استرسل النائم في هذيان أبيض ؟
هل أيقنت هامتها العقارب ,
وهي تتقوس فوق ظهر الخيبة ؟ .
تحصد الشمس في ظهيرة ذاك النهار الرث .
يسعل الفجر حيث ملائكة فروا إلى حانة الرب ,
موثقين يد الثمالة
إلى قرائن تتكشف في ترنح أهوج .
يسعل الفجر ... كيقين يتصيد صحوته
يتلصص ما خبأته الرعشات من عبث ندي ,
تكتمته النوافذ .
غسق يترنح ...
هوة تتساقط في النعاس
لهاث يمط تثاؤبه
وشم يتململ في غنج الأثداء
يرتل بخفوت ملكي
لهفة تتعثر فوق خراب ندي .
من يمسك فجور اللهفة , وهي تحصي خيبات
النائم على يسار أنوثتها
ممسكا بالرماد المتوهج ؟

ريح هنا
مقصد آخر للشروع ,
فتك يتذرع بالمكائد
مداخل تخط مكامنها في براءة التيه ,
تبحث عمن يفهرس بعثرة المكان ,
عمن يطفئ غريزة الظلمة
وحدها دهشة لا تراوح ... تهيل على ما ضمنته
المواجع أخضرارا يتيما

2000








عواء البنادق

للبنادق قلب تسوره الضغينة
للبنادق مكر العوانس ,
حين يصبغن بياض الفجر ,
في ضفائرهن بدم الذبيحة .
للبنادق آلهة تبيح قيامتها
قلب ...مكر ... آلهة ... وصناديق مشفرة ,
بأصابع موت تخطئ في عد الغزوات
فتهيل تراب الليل على قائمة الأسماء
كي توقن خساراتها .

هناك حيث أرض أوقدتها البنادق
هناك حيث أرض أفترشت أحزانها أبخرة الطلقات ,وهي
تصطاد طرائدها في فذلكة المراسيم
حيث أرض بلون فجيعتنا
خراب ينكفئ بهزالة  التعاويذ
مدن تبيح خصائصها للغزاة
تجهش أرحامها قوافل
تنوء بحداء تشربته الفجائع
قوافل محشورة في رهط انكساراتها .
بشراهة الموت تتقافز البيانات , وهي مصاغة
بحكمة الثعالب .
تتقافز فوق معنى أن تقود الطفولة نحو رهافة العدم .
هكذا اصطفت حكمة تهندسها البساطيل ,
وقمصان حرب مكسوة بالنياشين , وشوارب كثة .
حكمة الحرس الوطني ( الوطن هنا مجاز شائع في
هرطقة القتلة , القادة ,الهتافون , وندماء الرئيس ) .
لأي حكمة سنوقد هذيان الحرب
نصفان حكمة الله فينا ,يد تأخذ بسجية الدم لتمسح
هذا الغياب عن كاهل سكينتنا .
ويد بحجم السكينة ,بحجم قصاصة روح تناقلتها البيانات .
أيها الزمن المثقل بالرحيل , كيف أمكن هذا الغياب أن
يحشد حضوره في ثنايا الأهازيج ؟
أن يحيل غناء النخيل مراثي لعمر بغضاضة الأنين .
أيها الرثاء الرث ... دونك مناحاتنا .

1996








كتمان

أكتمك سرا تترقبه المسامع بذهالة بلهاء .
أكتمك سرا أفشاه الجميع
دون خوض في خصوصية المعنى ,
دون خوض في صلافة هذا المنمنم على هيئة موت,
يطيح بأسمائنا .
تتوالى المواسم ,
هائمة تتعكز على فرط إسرافها ,
تجتر صحوتك ... شغف أحلامك ...
وما ليس مقروءا مما توجست
لكنك لم تعد تكتب ماتهجيته البارحة, سنينك ,
طقوسك , وأحلامك الشاحبه .
لكنك لم تعد تكثف صمتك .
هل اعتدت أن تستوطن الغياب ,
أن تلغز المحكي بهذابة شرسه ؟

أريدك سكينة لا تبالغ بصمتها ,
ملائكة لا تتملق للرب ,
صحوة تعرف أن تخوض خديعتها ,
غيبة لاتلوي خديعة المكان ,
تمسك بأعنة
ممالك مأهولة بأبخرة هامدة ,
تبحث عمن يوقد بهجة السواد .

1999








المدينة التي لم يأتها زائر في ترنيمة الليل


المدينة الشاردة كقطيع الأيائل,
مبهورة بما أسمته الحكاية عفة
الموت,
هوت كصرخة أقفلت بابها في الرمال.
اندثرت
خلف حكايات تضيء نعاس الظلام.
غياب استفحلته اللحظات,
غاص كالدم في قوائم الطريدة,
أسرجته يد الله دونما تعويذة.
لمن أبحت بأسمائك...؟
للغارقين في مكائدهم, للهاربين من مداخل الحكاية ,
للراجعين لأوطانهم (أعني الرجوع إلى الحلم )
يزجرون عبراتهم
للنساء اللواتي فتحن الثياب الأخيرة ,
أطلقن عنان أجسادهن للذبول .
لمن أوحيت بنياشينك... للملوك يلوكون براءة الحزن.
وهؤلاء الجند أما عادوا من خرافة الحرب ؟
قاب قوسين أو أدنى من زغاريد انكساراتهم .
يتكوم هذا الرجوع بحجم أسمائهم
وهي معطرة بسخاء البخور.
يدك الآن في يد الله ,
فاسأله إلام  ستبقى راكبا نحر فرائسك ؟
هائما في الصقيع أبيض كفراش العرائس ,
حين يسجى بشهوة البكارات .
ملء أصابعك غواية الفأس ,
وهذا الرماد انعطاف الحقيقة .
تتبرم من كذبة لا يسقط ماؤها
تتبرأ من بنيك ,
وهم يلوحون لآخر معنى أن يرتجف تحت ذكورتهم
لا رأس للمكيدة
ولا خرائب يمكن لهذا النخيل أن يغسل قوائمه في ظلالها
هاهو العشق بارع في أن يدحرج صمت الشيوخ
يستفرد بعدّ أرقام النزوات ,
يحيك عناكبه في خراب ذكورتهم .
وأنت تعود إلى أسئلة لا جواب لأرحامها
تتبرأ من بنيك
وهم يلوحون لآخر معنى أن يرتجف تحت ذكورتهم
تترجل من هزائمهم .
هاهم يدقون طبول الرماح كأقنعة في هبوب الأرض
كتاريخهم هذه المشانق,
ستمضغ تيجان أرحامهم .
يتلاشى شكل الخريطة,
في يد دليل لم يعد يبصر هزالة الحرب  .

أجس ملائكة حضروا إلى حمرة البداية,

حيث وجه المخبر متبلد كبوابة قبر دونته المناحات .
أجس ملائكة لم تخرج من برودة الأضاحي ,
وهي تتمدد كإسفلت على قارعة الأسماء
هنا وجه صديق يرممّ عباءة أمه ,
خوفا من أن يبصر الموت شحوب ضفائرها .
هنا دواليب هواء أوقدت أسرارها ,
وهي تصرخ في وجه الصبية ,
أن اعبروا  في مغيب الموائد إلى جوعكم
ستهرم الحصاة تحت أسمالهم , قد يكتب أحدهم رموز يديه
ليعبر بدمه إلى حيث تدفن أوجاعه
إلى حيث الشوارع ملفعة باللافتات .
شوارع بحجم الظلام ,حين يمد لسانه في شماتة إلى طفولة تزدرد المعنى .
تكشر عن أنيابها الرصاصة ... هل ستنفذ من آخر الرأس ؟
أم ستلفظ سعيرها في طفولته .

وشم يرسم كالحكاية ...نار أشكالنا وشم آخر

لا حنجرة لها صوت رواة , لتقص نكوص راياتنا   .
قيد بحجم مقصلة ستنشره الحكاية كالغسيل
على قارعة هذا الظلام .
ضوء بحجم الظلام ... ظلام بحجم ما لم نره
وأجوبة للكلام الذي لم تطأه الحناجر
والمعنى مركب بين أن تفهم مغزى ما لم تقصه عليك الحكاية
أو أن تعيد الكلام إلى عقرب الوقت , لتدخل خطوة للوراء .
تنحدر في المنام , حماقات تفترش ندوبها فيأك
لا تصحو فما زالت بساتين المدن معصوبة ألانين
وأنت تستبقي ما عصي على الفهم
فيما يسميه العامة (قسمة الله) .
كيف يمكنك أن تكاشف كربلاء بأحزانها
أو أن تعيد الرماد إلى خيمة تضيء رأس المصيبة .

شجر في الأقاصي يروض دم الحصار
شجر يتسلق همهمة الموت لينبس للمتاريس
إن الجند أكثر حماقة من انقضاض  البنادق .
أي رائحة ستسبق جسدي إلى أن يتواطأ مع الموت
أن ينكمش كالياسمين حين يختم بشفاه النساء
وهن يحززن أنوثتهن لتنكشف الخديعة .
لا فرق بين أن تمسك عتمة أو تهيل على جسدك بسالة
ترنح الآخرون فوق ولائمها .
هاهو يرخي قوافله ويمشي في مهب القوس
تقذفه المسالك , حيث لا نسيان يذكره
ولا ذاكرة تمهله المتاهة
والأرض بيرق لا تحركه المكائد ... والرجوع اغتراب .
تناسلت المسالك , كيف تطلع ما ضمنته خطاك,
من وطن محاصر بالهزائم .
تتكشف الهزائم  ,
والقبائل آخر الأسماء في المعنى .

ساعة أوقدت عواءها للريح ,
للخراب أن يكتنز بحشرجة الخوف , للمنازل وهي مموهة
بالأسماء ...الأحاديث ... النكات ,
بالتنانير تسجر الخواء في برودة النار .
لك معنى غير الذي كتبته السماء
معنى يكشف حجم التلعثم في صفحة البوح .
تبصر عيناك غير الذي تراه
ويشربك الماء جفافا تقتضيه الحقول .
وأنت الموارب في حضرة الهجو , تتصفح شعر المكائد ,
عرائش الكلمات , وتبرىء ماشئت  من الجناة
يدخلون مآذن لا تكبر إلا لمن يخرج رافعا رأس أخيه ,
وراية تتوارثها الهزائم , ومخصيون ينتظمون مسبحة للجناة .
وريث يداعب سبايا النساء ,
يترجل أفخاذهن ليقطف ما خبأته أرحامهن من صبية ,
يتفتحون على هيئة قوس , ووجوه , وهتافات
والناس يلوحون بأشلائهم ,
أن انتصارات مليكهم توحي للشمس أن تسترد عافية الموت .

يطلق المغيب سهامه في ترنيمة الغيم , ليمطرها الضحكات
التي لم يعد يفقه سرها الغرباء ... الجنود ...النساء ,
وببغاوات الألم .
عاهرة هي الريح
تميط اللثام عن جثث الجند وهي محشوة
في حفيف التراب.
تتراقص راية القائد المترنح بين حرس الرئيس
هي الحرب لعبة , والرابح من يورد خياله ملح أخيه .

الملح يد النبوءة والذبول اختصار لأرادة الله

تحتاج النساء إلى عطر يهرقن دموعه فوق الموتى .
تحتاج الجثث إلى عربة تجذب يد الله إليها لتمسح عن البياض
خمرة الدم .
يحتاج الرئيس إلى حاشية لتفهرس هزائمه ,
( تطلق الهتافات لنصر يتغلغل في جنون البيانات ) .
تحتاج المدينة إلى حجر كي يوقظ خوذة نائمة .
تحتاج العربة إلى ثور لتقرقع قرونه المسافة .
تحتاج القيامة إلى نار لتطفئ غريزة الماء .
تحتاج الطوابير إلى أشرعة لتجهش بالرحيل .

هل البكاء ترنيمة تبطل فعل الخيال ؟

هكذا أوقد الشيخ براعمه , وراح يزوق أبدية تغتسل بالموت .
للأبدية نهدان من ورق , فما عساه أن يفعل العاشق بخطيئته
وهي تتلمس أنوثة محرمة
هنا يقين يتقول بارتباك , ملائكة تحيل المدينة إلى بدوي ,
يوقد شموسا بسنابل , ووديانا بصناجات , وشايا بريحان الظهيرة .
سيشرف على مغيب المتاهة .
ينفذ إلى حشرجة القيظ , ليشرب من جفاف النهار .
يتعكز على أثر قد يتوقد في الريح .
والمسافة قبرة جاثية .
تهب الخناجر , الرماح , البنادق , لتتقافز مذعورة كالأرانب .
أو لم يكن عارفا بالمسافة قبل أن تنسج العناكب رضوخها
في اليقين   ؟

2001








أرصفة

أيتها الارصفة التي لم تخذلني بعد .
بعجرفة لبقة سأبيح لجسدي
أن يتمدد في مساماتك المهترئه .
سأبيح لفوضاي أن تعبر نعاسك المتوسل .
سأبيح لأماني أن تبصر هشاشة ملامحها ,
في الواجهات المضاءة بالرغبات .
سأبيح لي ماصادرته الندوب ... هناك .

2000








اسم

كلما مر اسمك...ناديت
لعلّي أطيل بقاءك في لحظتي .
كلما اقتربت من حلم أرضك ,
أفقت لعلي أغسل هاجسي في ترابك .
أي رهان سيشرئبه هذا العدم
المستفرد في اللحظة ,
وأنا أماطل رغبة ... تمدّ لي لسان غيبتها .

1993








الوقت

يمكث الوقت حيث يشاء .
هاتفا بالاراجيح , بالتراتيل
بالتواريخ أن تسجل انطفاء أيامنا .
بالطفولة أن تبتلع أرحامها .
بالرحيل أن يتبدل مثل الحقيقة .
بالأزاميل أن تنهش ماشخصته
من وجوم في أناقة الحجر.                                                      
    1993








كأس

لكأسي أنين السماوات
ولصحوتي هذا الغياب المكفهر

1994








السر

هذا الذي رجوته أن يكتم السر
لم يكن أخي أو صديقي الذي يستعيد بداءته بي
ولم يكن رفيق دراستي المتجمد كالحصى
بل هو السر نفسه
السر الذي أباح بما لم يتمكن من كتمانه
السر الذي لم يعد صمتا يترقبه الآخرون بوجوه متجعدة
وأعناق مشرئبة للفضيحة
بل السر الذي يثرثر خذلانه
وينشر مفاتنه
بين إصغاء مترهل للاّخرين

1998








حكمة

يلهج الليل ,
كغراب ينشر جنح اقتباساته,
ليحلق في هذيان أحمق .
يتهجى فضاءاته
كي لايعيد دفن أخيه
قرب العيون التي تتربص الحكمة .
مامغزى أن تسافر في فرارك
الى شارة تتبعثر اتجاهاتها ؟
وأنت مخمور بهلع المدينة
تترصد النجوم التي أحتشدت في عيون الظلام
وهي تعاند قرائن الفلكي
الساهم في مطلق متحجر,
هاهو يرصد البدء .
هل اقتربت من الريح حقا
كي توثق الكلام ؟
خوفا من أن يعيد بناء الحكاية .
تتعقب اغترابك مثل ظل أقصاه النهار .
عاريا طاردته المسافات
من يمين ليسار... لخروج التقطناه بعناية الأمهات
اللواتي يهدهدن صراخ الزخارف
في أثواب من كبروا في صدف الأشياء
هاهم يمسكون زمام فوضاهم
يطيبون هواء الخديعة بماء الورد
يقتسمون الغنائم بهمجية الانتصارات
ترتجف خطاهم في رحيل متعثر .
مستعربون ينظمون شعر المدائح .
كيالون يكرسون سرقة القمح ودبق الأشياء .
قوادون يثأرون لترهل العفة .
جنود تتوزعهم نقالات مختومة بالمراثي .
عشاق يحلقون بقمصانهم المزركشة .
عاطلون ينامون على أبواب القوائم,
المعلقة على حائط المذلات .
شفاه تتدحرج شهواتها على وسادة عنوسة داعرة .
لاخروج لظلمة تترنح بأبجدية الصواب
لاوداع لقرائن مسفوحة في غنج لزج
لالغيمة ترسم وداعتها , بامتعاض مبلل
تتناسخ الاسئلة بهذيان مر ,
وهي تصحح صلافة الصواب ،
يسرد اليقين , كرهان لم يظفر بعد بيقينه
تلتقط العواصف خراب أرواحنا ,
التي لم تكلل بالنضوب .
بهذيان أزرق ... سنقطف آثام لهفتنا .
لنسوق جمال الخديعة لمستهل جديد .

1998








الرهان

الرهان الذي عاد من مباهج الامكنة
كان ملفتا للنهارات
يسوغ الأسئلة حسب ما يشاء من الدلالة
لكننا وربما لذهالة تفترسنا
بسطنا أرواحنا في أبدية متأرجحة
وأوصدنا الشبابيك
التي تطل على متسع مستحيل
وللمسافات الخبيئة أطلقنا الخيول
التي سرحت من معارك الوصايا .
حيث البلاد تغادر أهدافها
غير عابئة بالهتافات والمدائح,
وبذهولنا ...نحن الذين أغوينا المكان بالمكوث

إلام تطيل تحديقك في النجوم المهاجرة
الى مراسي السفن الموئودة في رمال الظهيرة ,
النجوم المتفحمة ,
النجوم التي لم تعد تحجب أهدابها ما يتهاوى من الوقت .
هو التوق يداهمني
يتنامى في وجع صاخب ,
يتلمظني  ...
هكذا يتكرر المشهد
في حدوده الموشكة على النسيان .
تفتض بكارتها الأسئلة الموغلة في بطئها
أيستدل المعنى على نزعات أخرى , قصية كالذهول .

أردد معصية غير مسبوقة بالتكرار
أعشب الأشياء المستحيلة
علي أن أرمم بدائلي , التي قد تستعيض بسواي
لكنها صورتي ... تلك التي تعلقها المزارات

2002








بلدة علي

و كان علي
يدخل بلدة الحلم
ضارعاً
فتأخذه عند بوابة الحلم
رعشةٌ حانية
يحلق بانبهار
يركب موجة الريح عاتية
ليقطف من وهج السماء
نجمةً
يودعها القلب
فتسكن قلبه قبلة حامية
و كان علي
تُسْكره خمرة الطيف
تلف به الثمالة بلدة الحلم
دارا بعد دار
بلدة أحجارها من نار
فيدخلها بنشوة غازية
ليأخذ من كل غفوةٍ أمنية
وعندما تجتاحه يقظة عاتية
يعود لصحوته مكرها
فيعرف أن الزمان المنام
وأن المكان …..بلدة واهية

1984








قصائد

°حالة
حين كثفني تواجدك
أيقنت
أني نازفا فرحتي
لا محالة .


° مساء
صاخب هذا المساء
سيعلق تيجانهَم
و بنزق سيرددون أناشيدهم
و يعبئون أغانيهم للخراب
لكنهم و بشراهة
سيمضغون دم أحلامنا .


° أسماء
كنا نسمي الأشياء بأسمائها
حتى اذا ما جاءت الحرب
أصبحنا نسمي
الايام مقابر … و المساءات فجيعة
و الحلم …. دما شاحبا .


° شمعة
أيها القمر
ألا أشعلت لي
شمعة أخرى
لأبصر عمق هذا الظلام


° منافي
لم نكن
نملك غير أسمائنا
تلك التي غيبتها
المنافي


° عودة
حين غادرته
كان عمرك مقبلا
و حين حلمت ذات يوم بالرجوع
انغلق العمر و تاه


°غياب
شجر لا تخالطه الريح
صحوتنا
ووجوم يداهمنا
هذا الغياب


° طفولة
لو أني
ملكت مفاتيح خطاي
لما سلكت
غير دروب الطفولة .

1996








ذاكرة الصهيل

لذاكرة الصهيل
وقدسية هذا الذي تربع في عرشه
ما زجا بين خطي الخرافة، ناسخا دمعنا
رحيل سيَمْتَحن خطواتنا في ارتدادها
رحيل ستحمله الشمس بين دفتي الرحيل
يسايره النهر الى تلك الممالك
والأناشيد المغناة على ضفاف طفولته
لا رغبة لنا في أن نعيد تلك الحكاية
حيث قارب انطفاؤها ضجيج أصواتنا
ونحن نوميء للشمس أن تستعيد شراهتها
لترسم صورتنا في الظلال التي انتظرتنا، فوق ترنيمة الرمل
في الظلال التي نزعت أردانها
وكفكفت دفئنا في مفاصلها
سنكتب أحلامنا في انكسار الحقيقة
سنكتب في هشيم الحقول مراسيم دهشتنا
ونقرأ ما كتبناه في صفحة الماء وما لم نكتبه
هو رغو هذا الذي ندعيه دفئا
هو رغو سينطفيء في هشاشة إيقاعه
تاركا ما غزلته عزلتنا من تمائم محكومة بغيبتها
سنخرج حتما من خواء أفكارنا
ولكن الى حيث تنشر راياتنا
سنخرج دون يقظتنا، دون أغنية أو كلمات
نستظل بها من جحيم الرحلة
سنعلق في ذلك الفيء ريحانة
توميء للعابرين أن لا خلاص
بين حين وحين
نعد زفير أرواحنا
نعد بهيمة الوقت في غثاء النعاس
تراتيلنا  وهي مسبوقة
بعقم ما سنتلو من
...الهواجس

1996








قصائد اخرى

° الريح
كنا نسابق رعشة الريح
لئلا تذر على أجسادنا
موجة من البرد والهموم
نغوص بأعماق الشجر والنجوم
لنختبىء من أعين الشتاء والملل
نتسلى بالقلوب المحبة
ونتحادث بلغة الصمت
ثم تأخذنا غفوة من النوم

1985








°علاقة
ما بين كل مترف ومترفة
قصة حب خرفة
وبين كل جائع وجائعة
قصة حب مفجعة

1986








°بيت
بيت آيل للسقوط
جدرانه متداعية
آثاثه من تحف منخورة
يقطنه
رجل حالم
... وامرأة طاغية  

1986








°شاعر
كان اسمه للصحبة إلفة
وكان عمره يوم الولادة حرفا
ويوم الممات
كان عمره القصيدة

1984








صرخة
بي تبتدىء العذابات
كأني لها مرتع
وواد أمين
كأني مداها تحوم بنفسي
مغربلة نزيفا رهيف
فما تركتني سهو لحظة
حتى تعود إلي سيلا مخيف
أما آن لي
أن أستعيد بعض شرودي وأن أستغيث
فمن منكم يعيد إلي شدو الحديث؟

1984








°مجنون
مجنون يبحث عن خطاه
فأضاع في البحث الخطى
مجنون يبحث عن مداه
سهو المسافات اعتراه
مجنون تسكنه المدينة
سكنت مخيلة حزينة
مجنون
هذا مكانه
... مجنون
هذا زمانه
بحثت عليه نوارس وطيور حب
فلم تجده
ولم نعد أبدا
... نراه

1984